ما الشعر الذي يروي سِيَرًا أو بطولاتٍ حقيقية أو خيالية
الشعر الذي يروي سِيَرًا أو بطولاتٍ حقيقية أو خيالية هو الشعر الملحمي.
عندما تتساءل ماهو الشعر الملحمي يظهر مفهومه على أنه نوع من الشعر حيث تتكون فيه قصيدة سردية طويلة وموقرة، عادة ما تتعلق بموضوع جاد يحتوي على تفاصيل عن الأعمال البطولية والأحداث الهامة لثقافة أو أمة، كما لا يتعين أن تكون العمل مكتوبًا لكي يُصنف كملحمة، على الرغم من أنه من غير المرجح أن يكون لـ هوميروس ودانتي أليغييري وجون ميلتون، ومثل هؤلاء الشعراء العظماء، أن تكون أعمالهم قد نجت بدون أن يتم تدوينها بشكل كتابي.
تعرف الملحمات الأولى باسم الملحمات الأساسية أو الأصلية مثل الالياذة، في حين أن الملحمات التي تحاول تقليدها مثل “الإينيدا” لفرجيل أو “فقدان الفردوس” لجون ميلتون تُعرف بالملحمات الأدبية أو الثانوية، وقد تمت صياغة هذه القصائد الملحمية بأسلوب فني ولغة أدبية أنيقة، وتكوينها بعناية من قِبَل كبار الأدباء المشهورين الذين استخدموا لها لغةً أدبيةً راقيةً، ونسجوها بعناية مستوحاة من الملاحم القديمة التي كانت في الأصل شفويةً وغير مكتوبة، وعلى الرغم من أنها قد تم تسجيلها فيما بعد كتابةً، إلا أنها وصلت إلينا في شكلها الحالي.
رواد الشعر الملحمي
اول من عرف الشعر الملحمي هم الاغريق.
يعتبر اول من عرف الشعر الملحمي هم الاغريق أو اليونانيين، على الرغم من بدء الشعر الأسطوري قبل حضارة الإغريق القديمة، إلا أنه كان جزءًا هامًا من الثقافة اليونانية ابتداءً من القرن السادس قبل الميلاد تقريبًا، وفي هذا السياق هناك أدلة على وجود قصائد ملحمية كتبت في وقت مبكر جدًا، مثل القرن العشرين قبل الميلاد، في حضارات مثل المسوبوتاميين،الذي يعتبر مسؤولًا عن إنتاج أقدم قصيدة أسطورية موجودة حتى الآن، ومع ذلك بمجرد أن بدأ الإغريق القدماء في إنتاج الشعر الملحمي كانوا شديدي الإنتاجية وأنتج الشعراء أعمالًا ما زالت شعبية في وقتنا الحاضر.
وجميع أعمال الشعر الملحمي تبدأ en media res، وهو مصطلح يعني في منتصف الأمور، أي أنه عند بداية كل قصيدة ملحمية عندما يكون الحدث الأساسي قد بدأ بالفعل، فعلى سبيل المثال تبدأ الإلياذة حيث كانت حرب طروادة قد استمرت لمدة تسع سنوات، وقد كان هناك ما يزال عام من القتال متبقيًا في فترة الحرب قبل أن تبدأ القصة فعليًا.
وهناك ميزة أخرى رئيسية للشعر الملحمي، هي أنه تم تصميمه فعليًا ليتم أداؤه بموسيقى، فقد كان القصاصون المتجولون يؤدون الشعر بشكل شفوي وكانت الكلمات منغمة وغالبًا ما يصاحبها موسيقى، ونتيجة لذلك فإن العديد من القصص التي نعرفها اليوم كانت معروفة ومعترف بها على نطاق واسع من قبل شعب اليونان القديمة، حيث كان سماع هؤلاء الفنانين وقصائدهم واحدة من أهم وسائل الترفيه لديهم.
سمات الشعر الملحمي
رغم أن النص الملحمي ليس لوناً أدبياً يستخدم بكثرة في الوقت الحاضر، إلا أن تأثيره المستديم على الشعر لا يمكن إنكاره، حيث تشترك الشعرية الملحمية تقليدياً في بعض السمات التي تميزها كلون أدبي وشكل شعري، وفيما يلي بعض خصائص الشعر الملحمي التي تميزه:
- يكتب بأسلوب رفيع ورسمي ومهيب.
- يستخدم سردًا من منظور الشخص الثالث مع وجود راوٍ عليم.
- يبدأ بدعاء للسامع التي توفر الإلهام وتوجه الشاعريتضمن رحلة تعبر مجموعة متنوعة من المواقع الكبيرة والتضاريس المختلفة بين المناطق.
- يجري على مدى فترات زمنية طويلة أو في عصور تتجاوز ذاكرة الأحياء.
- يتميز بوجود بطل مركزي شجاع وثابت.
- يتضمن عقبات أو ظروفًا خارقة للطبيعة أو خارجة عن العالم الواقعي لخلق ظروف شبه مستحيلة ضد البطل.
- يعكس الشعور بالقلق بشأن مستقبل حضارة أو ثقافة.
الشعر الملحمي في الجاهلية
يُعتبر الشعر الملحمي من أوائل أشكال الأدب العربي التي انتشرت بين القبائل العربية قبل الإسلام، حيث نشأت القصيدة كشكل ثابت للنظم الشعري والملحمة في اللغة، كما رتبط بمعنى الحرب والقتال والصراع التسلسلي للأحداث، وعلى الرغم من انتشار أدب الملحمة بين مختلف الشعوب، إلا أنه لم يترك أثرًا قويًا وثريًا في الشعر العربي، سوى بضع قصائد ومقاطع قصيرة ذات طابع ملحمي، ويعود ذلك حسب ما يؤكده النقاد إلى الأسباب التالية:
في الشعر الجاهلي كانت القصة ضعيفة الفن حيث اقتصرت على الخبر البسيط والسرد السريع، فكان الإيجاز الذي كان يميز الأدباء آنذاك يعوق الإسهاب في السرد، ولذلك لم يتوفر لهم الوقت والإمكانية لكتابة الملاحم والقصص الطويلة.
كان خيال الأدباء في العصر الجاهلي غير قادر على استيعاب الملاحم والقصص الطويلة، نظرًا لتقييده ببيئة صحراوية محدودة المناظر ومتجانسة.
وكانت العوامل المادية والروحانية المحدودة لديهم، بالإضافة إلى ضعف الروح الاجتماعية التي تعوق تطور خيالهم وقدرتهم على تكوين قصص طويلة.
لم يساعد المجتمع العربي في الجاهلية على التأمل الطويل وربط الأفكار وتوسيع آفاق الخيال. حيث كانت حياتهم مضطربة ومستمرة في الرحيل، ولذلك انعكس ذلك في الشعر القصير القائم على الإقامة القصيرة والخيال المتقطع، تماشيًا مع طبيعة حياتهم.
معظم ما تم كتابته حول تاريخ الجاهلية ينحصر في الفترة بين 500 و622 ميلادية، أي ما يقرب من مئة سنة قبل الإسلام، وتم الحصول على هذه الكتابات من خلال النقوش والرواة والأخبار المتقطعة والمبعثرة.
وعلى الرغم من هذه العوامل التي أثرت على تطور الملحمة في الشعر العربي القديم، إلا أنه لا يمكن إنكار وجود بعض القصائد والمقاطع التي تحمل طابعًا ملحميًا في الشعر العربي التقليدي، ومن أمثلة ذلك قصيدة “المعلقات السبع” التي تعتبر من أبرز الأعمال الملحمية في الشعر العربي القديم، وتحكي هذه القصائد قصصًا ملحمية عن الحروب والبطولات والصراعات بين القبائل العربية.
علاوة على ذلك لا يزال الشعر الملحمي حاضرًا في الأدب العربي الحديث، حيث يمارس بشكل معاصر ويعتبر تعبيرًا عن الصراعات والقضايا الحديثة. يبقى الشعر الملحمي جزءًا هامًا من تراث الأدب العربي ويستمر في الاحتفاظ بقيمته الثقافية والأدبية.
مواضيع ذات صلة